[right][color=#009966][b]من هي بكين الشرق الأوسط؟ دمشق دون شك[/b][/color][/right]
[size=7][color=#cccccc][/color][/size]
[right]
"هل أنتما متزوجان" سألت السيدة العجوز وهي تنتصب واقفة أمام باب منزلي في الساعة الثامنة صباحاً. إنها تأتي معظم الأيام للتحري من كان نائماً عندي يوم أمس. ربما أنا أول جار غربي لها وربما أول جار لديه صديقة أمريكية شقراء.
أنا والسيدة العجوز نسكن الباب على الباب في إحدى حارات دمشق القديمة. وما زلت أتذكر يومي الأول في ذلك المنزل في العام الماضي عندما استوقفت تلك السيدة العجوز صديقتي الأمريكية ذات الشعر الأسود وقالت لها "كان عنده فتاة يوم أمس. وغداً سيكون عنده فتاة أخرى". ويومها عرفت أن اسم جارتي هو ناديا.
وهي ترتدي الحجاب دوماً، ولكنها توقفت عن تحذير الفتيات مني.
في الواقع لم يمل الأصدقاء وهم يذكرونني بأني أعيش في حارة يسكنها مسلمون أتقياء تعلم معظمهم عدم الوثوق بالغربيين. ولكن أراء هؤلاء الناس انطفأت مع التحول الصاخب الذي تشهده هذه المدينة.
فعلى الرغم من العقوبات التي فرضتها أمريكا على سوريا منذ أربعة أعوام ماضية، إلا أن الاقتصاد السوري يشهد نمواً كبيراً. ومن السهل جداً في هذه المدينة ابتياع المشروبات الكحولية. إن سوريا ليست إيران أو العراق (حتى لو كان والدي القلق جداً عليّ فيها يخلط بين دمشق وبغداد أثناء حديثه معي على الهاتف).
وفقاً لخطة الرئيس بوش الأصلية كان من المفترض أن تكون العراق براغ التالية. وحالما يسقط صدام حسين سيقوم المشروع الحر والبوهيميين بتنظيف البلد من أشباح الماضي. ولكن وبعد أربع سنوات من دخول الأمريكيين للعراق لم نشهد أي وجود للمشروع الحر أو للبوهيميين في العاصمة العراقية. ولكن في الجوار الملاصق في دمشق تنبعث نزعة مجونية تواجه اليأس العربي المتساقط حولها.
إن هذه العاصمة السورية تتمتع بشيء كبير من عبق التاريخ. ففي القرن السابع عشر للميلاد كانت عاصمة العالم الإسلامي، ومقر الخلافة الأولى. وفي عام 750 ميلادي انتقلت العاصمة إلى بغداد وبدأ عندها التنافس الذي استمر حتى القرن العشرين وتأسيس أحزاب البعث. ومع اندثار الخلافة اليوم وبروز البعثيين تعيش سوريا جواً من الهدوء رغم ارتفاع نسبة البطالة وتناقص مواردها النفطية. ولكن هذا الهدوء بحد ذاته في هذه البقعة من الشرق الأوسط يعتب بحد ذاته أخباراً جيدة. إن سوريا ما تزال تنعم بالاستقرار وهذا يعتبر بارقة أمل في زمن التوقعات المتضائلة جداً.
ولا بد أن جيران سوريا يراقبون ذلك بانتباه بالغ. إنهم يرون في الرئيس بشار الأسد القائد العربي الوحيد في المنطقة الذي يشعر باطمئنان كبير على مكانته كرئيس وسط شعبه. رغم ان المحللين توقعوا يوماً انهيار نظامه بعد الغزو الأمريكي للعراق، وأشاروا إلى أن سوريا ستكون الثانية على لائحة المحافظين الجدد العدوانية بعد العراق.
كم تبدو الأمور مختلفة اليوم. فتغيير النظام يبدو اليوم غير مرجحاً أبداً.
لقد بدأ الرئيس الأسد دورته الرئاسية الثانية التي ستستمر لسبع سنوات قادمة.
ومنذ أيام فقط كان المغني العالمي انكريكي اغليسياس يصدح بصوته وسط دمشق.
ومما لا شك فيه أن ما تنقله الوسائل الإعلامية من صور للاضطرابات العنيفة التي تضرب بالعراق يجعل السوريين حذرين جداً من حدوث أي تغيير سياسي سريع.
والرئيس الأسد التفت بقوة لطموحات شعبه، حيث قام بتسهيل قوانين المشاريع الحرة وقوانين التجارة الدولية.
واليوم وفي هذه البقعة الأكثر انعزالاً في الشرق الأوسط تقوم سوريا باستيراد البضائع الاستهلاكية وتصدير العمال واستضافة أي شخص أجنبي يرغب بزيارتها.
هنا ترى الكثير من السعوديين الذين يخبئون مجونهم تحت جلابيبهم البيضاء الطويلة. اليوم يقصد هؤلاء فندق الفور سيزن في دمشق بعد أن أصبحوا غير مرحب بهم كثيراً في الغرب بعد اعتداءات أيلول 2001. وهنا أيضاً الكثير من العراقيين، أكثر من مليون لاجئ عراقي قذفت بهم الحرب إلى دمشق. الكثير منهم من الفقراء والمعدمين ولكن بينهم من جلب الكثير من أموال النفط العراقي.
وأخيراً هناك الغربيون أمثالي من طلبة اللغة، الفنانين، راقصين، أو الحالمين بأن يصبحوا مثل "لورانس العرب".
منذ شهرين حضرت حفلة موسيقية في دار الأوبرا بدمشق التي كنيت باسم الرئيس الأسد (دار الأسد للأوبرا). ومع اعتلاء صوت المطربة الجزائرية وفرقتها الغجرية قفزت شابة سورية ترتدي قميصاً بأكمام قصيرة وأخذت ترقص وسط الممر، والتفت لأرى السفير الصيني في سوريا يحييها بحماسة ويتبعه في ذلك حضور مؤلف من 1200 شخص.
إن السعي وراء المرح لم ينجو فقط من الفوضى المنتشرة في المنطقة بل هو ينتعش وينمو أيضاً.
في مطعم بيت جبري، ذلك البيت الشامي القديم، ترى السعوديين، العراقيين، السوريين، والأمريكيين الذين هربوا من شمس الصيف الحارة. لقد كان بيت جبري أول منزل خاص يتحول إلى مكان عمل. واليوم تمتد هذه النزعة لتحول كل أسبوع احد البيوت إلى مقهى انترنت، أو مطعم حديث، أو فندق صغير.
إن السوريين يكتشفون مدينتهم القديمة من جديد، وهي تمنحهم ما افتقدوه مطولاً: المحطة الروحانية الحقيقية ولكن العلمانية أيضاً. بعد عقود من تجاهلها ها هم يعودون إليها بالآلاف. وهنا وسط هذه الساحة التي لا تبعد سوى بضعة أميال عن السوق الصاخب من السهل جداً أن يتسرب إليك الشعور بالفخر وربما نسيان القدر المخيف. في المساء وأيام العطل تعج أزقة دمشق القديمة بالفتيات اللواتي يرتدين أحدث الموضة والشبان اللذين يحملون أحدث الأجهزة الخلوية التي تهتف إليهم بأحدث النغمات. وفي ملهى مرمر الليلي الحديث الذي يقع قرب الكنيسة الصغيرة التي تعمد فيها القديس بولس، يغادر مالك الملهى كرسيه في الخامسة صباحاً تاركاً خلفه زبائنه مع رشفات خمرهم الأخيرة ومفاتيحه مع النادل ويقول له "أغلق المحل قبل أن تغادر".
إن إعادة إحياء هذه المصالح في هذه المدينة القديمة رفعت أسعار المنازل إلى الضعف، حيث أخذ السوريون الأثرياء بتجديد البيوت القديمة وتأجيرها لعاشقي الجمال والفن اللذين يشكل الأجانب معظمهم.
منذ عصور والغربيون يطرحون السؤال ذاته: أي مدينة هي باريس الشرق الأوسط؟
كانت بيروت تحظى باللقب. ولكن السؤال تغير اليوم وأصبح: أي مدينة هي بكين الشرق الأوسط ؟ قد يرجح البعض دبي والأخر الإمارات مثل أبو ظبي، أو ربما قطر والبحرين. ولكنهم دون شك لا يعرفون تلك المدينة المخفية. المدينة التي تمتد جذورها عميقاً في التاريخ وتمتلئ بالتنوع والتي لا يمكن أن تكون سوى هونغ كونغ الثانية. فدمشق تتمتع بمؤشرات علنية للازدهار على نمط بكين.
بقلم أوليفر أوغست - واشنطن بوست
[/right]