بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع الاسبوع هو الصراع ومسيرة ابن ادم
الحياة حركة ، والحركة حياة وانطلاق ، وبالحركة تكامل عوالم الطبيعة والفكر والمجتمع ، ولكل شئ في هضا العالم ضده ونقيضه ، والصراع بين الاضداد والنقائض قانون كوني عام
وسنة من سنن الوجود . ومظاهر الصراع تتجلى في كل عوالم الخليقة ومفرداتها . فالشجر يصارع ليقاوم العواصف والرياح العاتية ، وجذورها تصارع لتشق طريقها في اعماق الارض وبين صخور الجبال بحثا عن الماء والغذاء . وتيار الماء يصارع ليشق طريقه في وجه الارض ..وينساب حيث يسمح له نظام الحركة والقدرة على المسير والمقاومة.
وعالم الحيوان مسرح مدهش من مسارح الصراع والتنازع من اجل البقاء في متاهات الصحارى .. وتشابك الحقول ، وأعماق البحار . والصراع والتنازع في عوالم الانسان والنبات والحيوان نتائجه واثاره وجود الاطراف المتنازعة وبقائها. فأطراف النزاع تنتهي إلى:
التعايش مع النقيض بالتكيف والتأقلم .أو الهزيمة والانقراض ، وترك الميدان ألى المنتصر . أو النصر واحتواء الأضداد والنقائض ليستأنف المنتصر دورة جديدة من التنازع والصراع
مع طرف اخر من الاطراف . وإذا كان الصراع في عالم النبات والجماد والحيوان تسيره القوانين الطبيعية ودوافع الغريزة والحاجة والمسيرة .. فإن الصراع في عالم الانسان تسيره الغريزة ويقوده العقل الواعي .
ويؤرخ القران بداية الصراع والتنازع البشري على هذه الأرض فيخبر ان اول صراع خاضه الأنسان هو صراع ادم وحواء ضد ارادة الشيطان ..فقال تعالى في سورة البقرة 36 :
(فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين)
ثم يسجل القران الحدث التاريخي المروع ..يسجل ذلك الصراع الدامي بين بني الأنسان .. وهو اول صراع دموي تشهده الأرض بين ابني ادم فيصور ذلك المشهد المروع ويأمر النبي محمدا (ص) أن يذكر به فيقول :
(واتل عليهم نبأ ابني ادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من احد هما ولم يتقبل من الاخر قال لاقتلتك قال إنما يتقبل الله من المتقين ) سورة المائدة 27
ثم يردفه بقراءة اخرى لمحتوى النفس الاثمة فيقول ايضا في سورة المائدة 30 :
(فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فأصبح من الخاسرين .. وكما ارخ القران لبداية الصراع كشف كذلك أسبابه الأساسية الكامنة في ظلمات النفس ومطاوي أعماقها المستترة.. فشخصها (بالانانية والحسد ) لماذا اختار الله ادم ولم يكن الشيطان موضع الاصطفاء والاختيار ..؟
ولماذا تقبل من احد الأخوين ، ولم يتقبل من الاخر ؟
إذن ليبدأ الصراع ولتكن الجريمة فكان التمرد على ارادة الله ، وكان الصراع .
وفي موارد اخرى يصور القران للأنسان ان الخلاف والتنازع والصراع على هذه الأرض هو محنته الكبرى ومأ ساته في هذه الحياة ، لذا بعث الله النبيين لحل الخلاف وايقاف النزاع والصراع .
لقد تحدث القران عن ذلك اللطف الإلهي بالنوع البشري ، وسجله بقوله في سورة البقرة 213:
(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين امنوا لما اختلفوا فيه من الحق بأذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)
ويكشف المفسرون عن معنى هذه الاية ويوضحون انها تؤرخ لنشأة المجتمع البشري .. الذي كان مجتمعا فطريا تسيره الفطرة كما تسير حياة الطيور والأسماك ومجد كل واحد منهم
مايحتاجه في عالم الطبيعة ، ويعيش افراده في وئام وسلام .
ثم بدأت نوازع الاثرة والسيطرة على الاخرين تظهر مع تطور النوع ونمو وجوده على الأرض ، فبدأ الصراع على متطلبات الحياة .. وبدأت سيطرة الأقوياء على الضعفاء .. فبعث الله النبيين لرفع الخلاف ، وحل مشكلات الأنسان .. وتصحيح تفكيره .. فكان صراع
الطواغيت ضد الأنبياء ، وبدأ الخلاف العقيدي ..وبدأ الصراع بين الهدى والضلال ، وتميز الخطان -خط الجاهلية وخط الأيمان - وهكذا كانت نوازع الأثرة والأنانية والحسد ، والرغبة في الاحتواء والسيطرة على الأشياء والاخرين وتسخيرهم ، هي السبب في الصراع على الدنيا وما فيها من مغريات ومثيرات مادية وسلطوية.
كما كان الجهل والأستكبار على الحق واتباع الهوى والخوف على الدنيا هو اليبب في رفض دعوات الأنبياء والدخول في صراع ضدهم ، فتميز معسكران :
معسكر يقود الأنبياء والدعوات الإلهية . ومعسكر يقود الطواغيت ودعوات الجاهلية .
واستمر المعسكران في صراع مواجهة فكرية وسياسية وإعلامية ومنهجية على امتداد مسيرة البشرية ، لذلك نجد القران يشخص هذه الحقيقة ويمارس مهمة التوعية التأريخية ..باستحضار الماضي وتصوير الصراع بقوله من سورة الفرقان 31 وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين ) وايضا في سورة الانعام 112 وإذن فليس الصراع هو حالة طارئة في حياة البشرية .. بل هو سنة من سنن الحياة وسبب من اسباب حركة التاريخ والتغيير والتنمية الحضارية والاجتماعية والنفسية والسلوكية لدى الفرد والجماعة .
ويصوه بقوله تعالى من سورة البقرة 251:
(فهزموهم بأذن الله وقتل داود جالوت واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولو لا دفع الله
الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين)
ومن هذه الاية يصور القران جانبا من ملاحم الصراع .. وأثر الدفع والتحريك والكفاح لمقاومة الظلم والفساد والطغيان . فيشهد ان لو لا هذا الدفع والمقاومة لفسدت الارض ولهدمت مظاهر الايمان .. وان الصراع يردع الفساد ويحقق فضل الله على العباد .
وهكذا نقرأ حلقات الصراع في مقاطع شتى من مواقع التاريخ وفي ابرز محاوره..فتنكشف أمامنا حقيقة كبرى في نظام الحياة وسنن حركة التاريخ والاحداث .. وهي ان الحياة صراع.
وان فترات الهدوء هي هدنة مؤقتة ، واستراحة للتهيؤ والاستعداد لاستناف الصراع . ان
كل تلك الحقائق تجعلنا نعي طبيعة المرحلة التي يمر بها العالم في معسكريه كما سبقة من شقيه .. وطلائعه ..لبث الوعي بدعاة التغير والاصلاح ..ونفهم ان الصراع جزء من الحياة .. ولاحياة بلا صراع .. وان السنن الإلهية تجري حركتها الاجتماعية وفق قوانين الصراع في أوسع مساحتها ..وعلى أساس قانون الصراع تجري عملية الاستبدال .. وإهلاك أمم واستخلاف أخرى وتغير خارطة العالم السياسية موازين القوى والنصر والهزيمة .. لذا وعي الصراع والتهيؤ النفسي لقبول قضية أساسية في حياة العالم ..ولذا شخص القران لنا هذه الحقيقة ودعانا للدخول في تفاعلات الصراع فقال : ( الا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير)
فالدعوة الى التغير والنهي عن الوهن والاسستسلام والشعور بالضعف والهزيمة والانسحاب
من ميدان المواجهة عاقبته الالغاء والاستبدال ذلك لأن الحياة لاتعرف الاستقرار .. وكل يوم هو في شأن والاستبدال جار والايام تتداول بين الناس ومن يطلب التغير والاصلاح خارج دائرة الصراع مثله كمثل الذي وصفه القران الكريم بقوله : ( كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه) الرعد14
ونحمده وندعوه ان يهدينا لنيل حسن العاقبة في دارالدنيا والاخرة ..وندعوا العلماء ورثة الانبياء ان يجمعهم لوحدة الفكر التربوي الموصى ..!
والسلام ..الى موضوع اخر في القريب العاجل وتحياتي ايضا لمن اغتصب حقي..
المحب
سيد صباح بهبهاني
postfach 240122
85039 Ingolstadt